4کتابه علیه السلام إلی قَیْصَر الرُّوملمَّا جلَس عُمَر فی الخلافه، جَری بین رَجل من أصحابه یقال له: الحارث بن سِنان الأزْدِی ُّ ، وبین رَجل من الأنْصار کلام ومنازَعه ، فلَمْ ینتصف له عُمر ، فلَحق الحارث بن سِنان بقیْصر ، وارْتَدَّ عن الإسلام ، ونَسی القرآن کلَّه، إلاَّ قوله تعالی : « وَمَن یَبْتَغِ غَیْرَ الاْءِسْلامِ دِینًا فَلَن یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الْأَخِرَهِ مِنَ الْخَاسِرِینَ » (1) ، فسَمع قَیصَرُ هذا الکَلام ، فقال : سَأکْتُب إلی مَلِک العَرب بمسائل ، فإنْ أخْبَرنی عنها أطلقت ما عنْدی من الأُساری ، وإنْ لمْ یخبرنی تفسیر مسائلی، عهدتُ إلی الأساری، فعرضتُ عَلَیهِم النَّصرانیَّه ، فمَن قَبل منهم اسْتعبدته ، ومَن لمْ یقبل قتلتُه . فکتَب إلی عُمَر بن الخَطَّاب بمسائل : أحدها سؤاله عن تفسیر الفاتِحه ، وعن الماء الَّذی لیْس من الأرض ولا من السَّماء ، وعمَّا یتنفَّس ولا رُوح فیه ، وعن عَصا موسَی ممَّن (2) کانت وما اسمها ، وما طولها ، وعن جاریهٍ بِکر لأخَوَین فی الدُّنیا، وهی فی الآخِره لَواحد . فلمَّا وردت هذه المسائل علی عُمر لم یعرف تفسیرها ، ففزع فی ذلِک إلی علیِّ بن أبی طالب علیه السلام ، فکتَب علیه السلام إلی قیصر : « مِن عَلِیِّ بنِ أبِی طَالبٍ صِهْرِ مُحَمَّدٍ ، وَوَارِثِ عِلْمِهِ ، وَأقْربِ الخَلقِ إلیْهِ ، ووَزیرِه ، ومَن حَقَّت لَهُ الوِلاَیَهُ ، وَأُمِرَ الخَلْقُ بِالبَراءَهِ مِن أعْدَائِهِ ، قُرَّهُ عَیْنِ رَسولِ اللّه ِ ، وزَوجُ ابْنَتِهِ ، وأبو وُلْده، إلی قَیصَرَ مَلِکِ الرُّومِ . أمَّا بَعْدُ ، فَإنِّی أحْمَدُ اللّه الَّذی لا إِلَه إلاَّ هُوَ ، عالِمُ الخَفیّاتِ ، ومُنْزِلُ البَرَکاتِ ، مَن یَهدِی اللّه ُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ، ومَن یُضْلِل فَلا هادِیَ لَهُ ؛ وَرَدَ کِتابُکَ ، وأَقرَأنِیهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب . فأمَّا سُؤالُکَ عَن اسْمَِ اللّه ِ، فإنَّهُ اسْم فیهِ شِفاءٌ من کُلِّ دَاءٍ ، وعَوْنٌ عَلی کُلِّ دَواءٍ . وأمَّا سُؤالُکَ عَنِ « الرَّحْمَ_نِ » ، فَهُوَ عَونٌ لِکُلِّ مَن آمَن بِهِ ، وهُوَ اسْمٌ لَم یَتَسمَّ بِهِ غَیْرُ الرَّحمنِ تَبارَکَ وتَعالَی . وأمَّا «الرَّحِیمِ» ، فرَحِیمُ مَن عَصَی وَتَاب وآمَنَ وعَمِلَ صالِحا . وَأمَّا قَولُهُ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِینَ » ، فَذَلِکَ ثَناءٌ مِنَّا عَلَی رَبِّنا تَبارَکَ وتَعالی بِمَا أنْعَم علَیْنا . وأمَّا قَولُهُ : « مَ__لِکِ یَوْمِ الدِّینِ » ، فَإنَّهُ یَملِکُ نَواصِیَ الخَلْقِ یَوْمَ القِیامَهِ ، وکُلّ مَن کَانَ فِی الدُّنیا شَاکَّا أوْ جَبَّارا أدْخلَهُ النَّارَ ، ولا یَمتنَعُ مِن عَذابِ اللّه ِ عز و جلشَاکٌ ولاَ جَبَّارٌ ، وَکُلّ مَن کانَ فِی الدُّنیا طَائِعا مُذْنِبا مَحَا خَطَایَاهُ ، وَأدْخَلَهُ الْجَنَّهَ برَحْمَتِهِ . وأمَّا قولُهُ : « إِیَّاکَ نَعْبُدُ » ، فَإنَّا نَعْبُدُ اللّه َ ، ولا نُشْرِکُ بِهِ شَیْئا . أمَّا قولُهُ : «وَ إِیَّاکَ نَسْتَعِینُ» ، فإنَّا نَسْتَعِینُ باللّه ِ عز و جل عَلَی الشَّیْطانِ ، لا یُضلّنا کَما أضلَّکُم . وأمَّا قولُهُ : «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِیمَ» ، فَذَلِکَ الطَّرِیقُ الوَاضِحُ ، مَن عَمِلَ فِی الدُّنیا صَالِحا فإنَّه یسْلُکُ عَلی الصِّراطِ إلی الْجَنَّهِ . وأمَّا قولُهُ: «صِرَ طَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ» ، فَتِلْکَ النِّعمَهُ الَّتی أنْعَمَها اللّه ُ عز و جلعلَی مَن کانَ قَبْلَنا مِنَ النَّبیِّینَ والصِّدِّیقِینَ ، فَنَسْألُ اللّه َ رَبَّنا أنْ یُنْعِمَ علَیْنا . وأمَّا قولُه عز و جل : «غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ» ، فَأُولَئِکَ الیَهود ُ ، بَدَّلُوا نِعْمَهَ اللّه ِ کُفرا ، فَغَضِبَ عَلَیْهم فجعل منْهم القِرَدَه والخَنازِیر ، فَنَسْألُ رَبَّنا أنْ لا یَغضَبَ علَیْنا کمَا غَضِبَ عَلَیْهم . وَأمَّا قولُهُ : «وَ لاَ الضَّآلِّینَ» ، فَأنْتَ وأمْثالُک یا عَابِدَ الصَّلِیْبِ الخَبِیثِ ، ضَلَلتُم بَعْدَ عِیْسَی بْنِ مَریَمَ علیه السلام ، نَسأَلُ رَبَّنا أنْ لا یُضِلَّنا کمَا ضَلَلتُم . وَأمَّا سُؤالُکُ عن المَاءِ الَّذی لیْسَ مِنَ الأَرضِ ولا مِنَ السَّماءِ ، فَذلِکَ الَّذی بَعَثَتهُ بَلْقیسُ إلی سُلَیْمان َ ، وهُوَ عَرَقُ الخَیلِ إذا جَرَت فِی الحُرُوبِ . وأمَّا سؤالکَ عَمَّا یَتنفّسُ ولا رُوحَ فیه ، فَذَلِک الصُّبحُ إذا تَنَفَّسَ . فأمَّا سؤالک عن عَصا موسَی ممَّا کانَت ، ومَا طُولُها ، وما اسْمُها ، ومَا هِیَ ، فإنَّها کانَت یُقال لَها : « البَرنِیَّه »، وتفسیر البَرنِیَّه: الزَّابده ، وکانَت إذا کانَت فیْها الرُّوحُ زَادَت ، وإذا خَرَجَ منها الرُّوحُ نَقَصَت ، وکانت من عَوْسَج (3) ، وکانَت عَشَرهَ أذْرُعٍ ، وکانَت مِنَ الجَنَّه ، أَنزَلَها جَبرائیلُ علیه السلام علی شُعَیْب علیه السلام . وأمَّا سُؤالُکَ عَن جَارِیَهٍ تکُونُ فی الدُّنیا لأخَوَینِ ، وفی الآخِرهِ لِواحِدٍ ، فَتِلکَ النَّخلهُ، هی فی الدُّنیا لِمُؤمِنٍ مِثْلِی ولِکافِرٍ مِثْلِک ، ونَحْنُ مِن وُلْدِ آدَمَ[ علیه السلام ] وهِیَ فِی الآخِرهِ لِلمُسلِمِ دُونَ المُشْرِکِ ، وهِی فِی الجَنَّهِ لَیْست فِی النَّارِ ، وذلِکَ قَولُهُ علیه السلام : « فِیهِمَا فَ_کِهَهٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ » (4) » . ثُمَّ طَوی الکتاب وأنْفذَه إلیْه ، فلمَّا قرَأه قیصر عهد إلی الأساری فأطلقهم ، واخْتارهم ، ودَعا أهل مَمْلکَته إلی الإسلام والإیمان بمحمَّد صلی الله علیه و آله ، فاجْتمعت علیْه النَّصاری ، وهمُّوا بِقَتلِهِ ، فأجابهم ، فقال : یا قَوْمُ، إنِّی أرَدتُ أنْ أُجرِّبَکم ، وإنَّما أظهرتُ ما أظهرتُ لأنظُر کیف تکونون؟ فقد حَمَدتُ الآن أمرَکُم عنْد الاخْتبار . فسَکَتُوا واطْمأنُّوا ، فقالوا : کَذلِکَ الظَّنُ بِکَ ، وَکَتَم قَیصَرُ إسلامَهُ حتَّی ماتَ ، وهوَ یقول لخواصِّ أصحابه ومَن یَثِقُ بِهِ : إنَّ عیسَی علیه السلام عبْد اللّه ورسُولُهُ ، وکلمته ألْقاها إلی مَریم ، ومحمَّد ٌ صلی الله علیه و آله نَبیٌّ بعْدَ عیسَی ، وإنَّ عیسَی بشَّر أصحابَه بمحمَّد صلی الله علیه و آله ، ویقول : « مَن أدرَکَهُ فلْیقرأ (5) منِّی السَّلام ، فإنَّه أخِی وعَبدُ اللّه ُ ورَسولُهُ » . وماتَ قَیصَر _ علی القوْل _ مسلِما ، فلمَّا ماتَ وتولَّی بعده هِرَقْلُ ، أخْبروه بذلِک ، قال : اکتموا هذا ، وأنْکروه ، ولا تُقِرُّوا بهِ ، فإنَّه إنْ یظهَر طمعَ مَلِکُ العَرب ، وفی ذلک فَسادُنا وهَلاکُنا ، فمَن کان من خواصِّ قَیصَرَ وخَدَمِهِ وأهْلِهِ علی هذا الرَّأی کَتَموه ، وهرقل (6) أظْهَر النَّصرانیَّه وقوی أمره ، والحمد للّه وحدَه وصلَّی اللّه علی محمَّد وآله الطَّاهرین . (7)
.